حكاية| الدفائن التركية في الاردن
استخدم العثمانيون خلال فترة حكمهم المنطقة (1516-1918) العملة النقدية الذهبية، والتي يطلق عليها العامّة اسم "الليرة العصملية"
- يعيش كثيرون وهم العثور على رموز وكتابات في بعض المواقع، معتقدين بأنها دلائل وإشارات على وجود دفائن من الذهب-خبير بالأرشيف العثماني: الحديث عن وجود دفائن عثمانية بعيد عن الحقيقة والواقع، ويدل على غياب الخبرة والمعرفة
خضع الأردن للحكم العثماني نحو 4 قرون متتالية، وتم تقسيمه إلى عدة مقاطعات، كانت تتبع حينها لولاية دمشق، وأنشأ العثمانيون فيها الكثير من المعالم التي ما زالت حاضرة حتى الآن.
استخدم العثمانيون خلال فترة حكمهم (1516-1918) العملة النقدية الذهبية، والتي يطلق عليها العامة اسم "الليرة العصملية (العثمانية)"، وتحولت بعد انتهاء خلافتهم إلى قبلة للباحثين عن الغنى والثراء، وسط توقعات بدفنها داخل أراضي المملكة، قبيل مغادرتهم لها.
هذا الوهم يعيشه كثيرون، ممن لا تتعدى أحلامهم العثور على رموز وكتابات في بعض المواقع، معتقدين بأنها دلائل وإشارات على وجود دفائن من الذهب، لكنها في الحقيقة ما هي إلا شواهد على اتساع رقعة الحكم العثماني، وأطلال بعمق تاريخه.
** ادّعاءات.. بلا دليل
جنكيز إر أوغلو، مدير "معهد يونس إمرة"، والخبير بالأرشيف العثماني، أكد لـ "الأناضول" أن "حديث هؤلاء عن وجود دفائن عثمانية بعيد عن الحقيقة والواقع، ويدل على غياب الخبرة والمعرفة عما ورد في الأرشيف العثماني في كيفية تصريف العملة الذهبية وحملها إبان رحيل العثمانيين عن المنطقة".
وتابع: "كل ما يقال في هذا الشأن هو العثور على كتابات وإشارات عثمانية في مواقع وأماكن مختلفة، وهو أمر طبيعي، خصوصا عندما تتحدث عن 4 قرون من الحكم العثماني للمنطقة".
واستطرد قائلاً: "البعض يدعي العثور على ذهب عثماني، ربما تكون حالات فردية، ولكن هذا لا يعني بالمطلق وجوده بكميات تدفع البعض إلى قضاء سنوات طويلة من عمرهم بحثا عنه".
وأضاف: "الأرشيف العثماني يزيد على 150 مليون وثيقة، تتحدث عن أدق التفاصيل خلال الخلافة العثمانية، ولم يتم الإشارة فيها إلى أن العثمانيين دفنوا عملتهم النقدية".
وتساءل إر أوغلو: "هل من استطاع أن يخرج بمعداته وآلياته عاجز عن حمل ما يملك من عملة نقدية؟".
وأجاب بنفسه، قائلاً: "طبيعي أن يقول من يعثر على دفائن إنها عثمانية، بحكم أن الدولة العثمانية هي آخر حضارة وخلافة مرت على المنطقة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك".
وأضاف: "أتفاجأ عندما أقرأ وأسمع أن البعض يتحدث عن آلية إخفاء ذهب العثمانيين، من خلال وضع علامات كرصاصة على سكة حديدية أو هلال أو ما شابه ذلك، كل ذلك ما هو إلا حديث لا يستند إلى واقع، ومحاولة ممن يدّعون المعرفة لتحقيق مكاسب مادية ليس إلا".
** قلّة خبرة!
خالد عبد الله (اسم مستعار)، أحد المهتمين بالبحث عن الدفائن، قال لـ "الأناضول" إنه يعمل في هذا المجال منذ أكثر من 20 عاما، مضيفا: "كنت أصادف الكثير من المواقع التي تحتوي على رموز وكتابات شبيهة باللغة العربية، وأعتقد أنها عثمانية".
وأردف: "كنا نعتقد أن تلك الإشارات دلائل على وجود الذهب العثماني، ولكننا كنا نصطدم بالواقع، فلا نجد شيئا، سوى مغارات وكهوف كانت تستخدم مساكنا للعيش، خاصة في المناطق النائية".
لكنه استطرد قائلاً: "أعتقد أن تلك الإشارات ما هي إلا شيفرة لا يستطيع العامة تفسيرها، لارتباطها ربما بمنظومة عسكرية".
وأضاف: "بعض من صادفتهم كان يقول إنه عثر على ذهب عثماني، وعند طلب دليل على ذلك يتنصّل، ليظهر لاحقاً أنها محض أقاويل".
وقال: "هذا لا يعني أن العثور على الذهب العثماني غير ممكن، فطول فترة وجودهم هنا يدعم إمكانية وجوده، لكن ليس بحجم التركيز عليه كهدف رئيسي".
وأردف: "الباحثون عن الدفائن يركزون على الذهب العثماني، لكنهم لا يدركون أن الأردن مليء بالآثار والمواقع التي تعود إلى عصور مختلفة، وبالتالي فربما ما يتم العثور عليه يعود إلى تلك الحقبة. ولعدم خبرة من يعثر على الدفائن يعتقد أنها عثمانية".
واعتبر أن "الدولة العثمانية دولة إسلامية عريقة، ولديها القدرة على الحفاظ على ممتلكاتها، وليس بالسهولة العثور عليها، وما تم العثور عليه من حالات فردية كان بالمصادفة، وليس بمهارة الباحثين".
** وهم.. وخديعة؟
من جانبه، قال أحمد الجوارنة، أستاذ التاريخ في جامعة اليرموك (حكومية)، لـ "الأناضول": "سيطرت الأوهام على كثير من أبناء الوطن العربي والأردن بوجه خاص، فبات جل اهتمامهم هو البحث عن ثروة المستقبل والأمل الدفين بين الصخور والتراب".
وأرجع الجوارنة دوافع ذلك إلى "دعوى البعض أن الدولة العثمانية بعد انسحابها من البلاد العربية، كبلاد الشام والعراق، ترك جنودها بصمات وعلامات على أموال من ذهب وفضة، دفنوها وهم ينسحبون إلى تركيا؛ خشية وقوع تلك الأموال بيد أعدائهم الذين يطاردونهم".
وأشار إلى أن "الباحثين عن الدفائن دفعوا الكثير من أموالهم وجهدهم، لكنهم كانوا يبحثون عن سراب، فالأوهام وقصص الخرافات الخيالية أوقعتهم في فخ اللصوص والمهربين والمزوّرين، وبذلوا جراء ذلك الأموال الكثيرة".
واستشهد الجوارنة بلقاء سابق جمع هؤلاء بمسؤول في الأرشيف العثماني، مشيرا إلى أن الأخير أكد أن "مسألة الدفائن والوثائق والخرائط المتعلقة بها لا أساس لها من الصحة، ولا تدعمها أية وثيقة أو حجة رسمية أو علمية".
ولفت إلى أن المسؤول التركي قال لهم إن "الأرشيف العثماني يخلو تماما من تلك الوثائق المتصلة بالدفائن، وأن ما يشاع بين الناس ما هو إلا وهم وخديعة ونصب واحتيال، للضحك على الآخرين وابتزاز أموالهم وممتلكاتهم".
تعليقات
إرسال تعليق
لا ترحل بلا تعليق ...أترك لنا بصمتك